نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خاص: فاطمة المسدّي تتقدم بمبادرة تشريعية حول إجراءات المصادرة المدنية, اليوم الثلاثاء 12 نوفمبر 2024 04:31 مساءً
نشر في الشروق يوم 12 - 11 - 2024
في إطار سعي تونس لتعزيز منظومة مكافحة الفساد، تقدمت عضو مجلس نواب الشعب فاطمة المسدّي بمشروع قانون أساسي يتمثل في المصادرة المدنية، مما يمثل تحولاً نوعياً في إجراءات استرجاع الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة.
ويأتي هذا المشروع في وقت يتسم بوجود تحديات كبيرة اقتصادية واجتماعية. ويعكس التزام الدولة بتعزيز الشفافية والمساءلة واسترجاع المال العام المنهوب.
ويرتكز مشروع القانون المقترح على إدخال آليات ترتيبية تتيح مصادرة الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة دون الحاجة إلى إدانة جزائية مسبقة. وتعتبر هذه المقاربة سابقة في المنظومة القانونية التونسية، حيث كانت الإجراءات السابقة تتطلب إثبات الجريمة قبل اتخاذ أي إجراء بشأن الأموال المشبوهة.
وستتمكّن الهيئات المختصة من خلال هذه الآلية من اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لمواجهة الفساد، مما يسهل استرجاع الأموال المنهوبة ويعزز من قدرة الدولة على محاسبة الفاسدين. ويمنح القانون المقترح صلاحيات واسعة للهيئة الرسمية التي ستكلفها الحكومة بمكافحة الفساد، مما يعكس رغبة المشرعين في منح هذه الجهات الرسمية الأدوات اللازمة لمواجهة الفساد بشكل فعال أكثر من ذي قبل والقطع مع التجارب السابقة في هذا المجال التي لم تثبت فعاليتها.
وتشمل هذه الصلاحيات القدرة على القيام بالتحقيقات بشكل مستقل وجمع المعلومات اللازمة لتحديد مصادر الأموال المشبوهة. كما يخول للهيئة الرسمية أو الإدارة التي ستكلفها الحكومة بمكافحة الفساد اتخاذ إجراءات تحفظية عاجلة مثل تجميد الأموال المتأتية من الفساد ورفع دعاوى المصادرة أمام المحاكم المختصة.
وتهدف هذه الصلاحيات إلى تمكين الجهات الرسمية من العمل بكفاءة أكبر في محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، مما يعزز من ثقة المواطنين في قدرة الدولة على حماية المال العام. ويتضمن مشروع قانون المصادرة المدنية المقترح مجموعة من الضمانات القانونية الهامة التي تهدف إلى حماية حقوق الأفراد المشمولين بالمصادرة، رغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة للهيئة المكلفة بمكافحة الفساد.
هذه الضمانات تعكس حرص المشرعين على تحقيق توازن بين مكافحة الفساد وحماية الحقوق الفردية، مما يسهم في بناء الثقة بين المواطنين والنظام القانوني. ويتمثل أحد أهم الضمانات في حق الطعن في قرارات التجميد التي تصدرها الهيئة أمام المحكمة الإدارية. إذ يتيح هذا الحق للمشمولين بالمصادرة فرصة الدفاع عن أنفسهم ومواجهة أي إجراءات قد يرون أنها غير مبررة أو تعسفية مما يعزز مبدأ العدالة، حيث يمكن للأطراف المشمولة بالمصادرة أن تتقدم بشهادات أو أدلة تدعم موقفها.
علاوة على ذلك، يتيح القانون حق استئناف الأحكام الابتدائية المتعلقة بالمصادرة المدنية. ويضمن هذا الحق أن أي قرار يصدر عن الهيئة يمكن مراجعته من قبل جهة قضائية مستقلة، مما يعزز من الشفافية ويقلل من احتمالية حدوث تجاوزات قانونية. وتساهم هذه الإجراءات في حماية حقوق الأفراد وتوفير سبل قانونية للتظلم. ويفتح مشروع القانون باباً للمصالحة في حالات محددة، مما يعكس مرونة التشريع واستعداده للتكيف مع الظروف المختلفة. ويمكن أن تكون المصالحة مفيدة عندما تسهم في استرجاع أموال موجودة بالخارج أو عندما تتطلب التعاون القضائي الدولي.
كما يمكن أن تكون ذات أهمية خاصة في حالة وفاة صاحب النشاط غير المشروع، حيث قد تسهم المصالحة في تسهيل استرجاع الأموال دون الحاجة إلى إجراءات قانونية معقدة وطويلة. هذه المقاربة تعكس رؤية شاملة لمكافحة الفساد، حيث لا تقتصر الجهود على العقاب، بل تشمل أيضاً استعادة الثقة وتيسير العودة إلى المسار الصحيح. ويضع القانون إطاراً مؤسسياً واضحاً للتصرف في الأموال المصادرة، حيث يتم إنشاء لجنة خاصة تتولى التصرف في هذه الأموال.
وتلتزم اللجنة بنشر قائمة الأملاك المصادرة سنوياً لضمان الشفافية والمساءلة. كما تخضع جميع قرارات التصرف في الأموال المصادرة لرقابة مباشرة من رئاسة الحكومة، مما يعزز من الثقة العامة في العمليات المتعلقة بالمصادرة. ويساهم هذا الإطار الشفاف في تعزيز ثقافة المساءلة ويؤكد على أهمية إدارة المال العام بشكل مسؤول وفعال.
ويمثل مشروع القانون خطوة متقدمة نحو تعزيز منظومة مكافحة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة. إلا أن نجاح هذه المبادرة يعتمد على الإرادة السياسية لتطبيقها وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذها بشكل فعال. يتطلب الأمر أيضاً نقاشاً مجتمعياً واسعاً لضمان توافق القانون مع المعايير الدولية والخصوصيات القانونية والاجتماعية التونسية. كما أن الالتزام بتطبيق هذا القانون بفعالية يمكن أن يحدث تحولاً إيجابياً في جهود مكافحة الفساد ويعزز من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
الأولى
.
0 تعليق