تنسحب روسيا تدريجيًّا من مواقعها العسكرية في سوريا؛ حيث تتراجع قواتها من الخطوط الأمامية في شمال البلاد، ومن المواقع الاستراتيجية في جبال العلويين. ومع ذلك تؤكد مصادر سورية لـ”رويترز” أن الانسحاب لا يشمل القواعد الرئيسية لروسيا في سوريا، ولا توجد نية للانسحاب منها في الوقت الحالي، وتشير التقديرات إلى أن روسيا تعيد تجميع قواتها وإعادة نشرها وفقًا للتطورات على الأرض، مع استمرار وجودها العسكري القوي في البلاد.
قواعد استراتيجية
وتُعَد القواعد الروسية في سوريا، وخاصة قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والقاعدة البحرية في ميناء طرطوس، ذات أهمية استراتيجية لروسيا؛ فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من الوجود العسكري العالمي لروسيا، حيث توفر قاعدة طرطوس البحرية مركزًا حيويًّا للإصلاح والإمداد في البحر الأبيض المتوسط؛ بينما تعد قاعدة حميميم منصة رئيسية للأنشطة العسكرية والمرتزقة في إفريقيا، وقد أقامت روسيا هذه القواعد منذ عقود، حيث يعود تاريخ قاعدة ميناء طرطوس إلى عام 1971، وتم تأمين عقد إيجار مجاني لمدة 49 عامًا في عام 2017.
ومع الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، يصبح مستقبل القواعد الروسية في سوريا موضع تساؤل. فبعد سنوات من التحالف الوثيق مع موسكو، أثار سقوط الأسد الشكوك حول مستقبل هذه القواعد. ومع ذلك تشير المصادر إلى أن روسيا لا تزال على اتصال بالحكام الجدد لسوريا، وتجري مناقشات بشأن مستقبل هذه القواعد؛ فموسكو حريصة على الحفاظ على وجودها العسكري في المنطقة، خاصة مع الدور الحاسم الذي لعبته في الحرب الأهلية السورية.
وتشير التقارير إلى تحركات روسية لوجستية؛ حيث شوهدت طائرات شحن من طراز أنتونوف إن- 124 وهي تغادر قاعدة حميميم. كما تم رصد سفن روسية في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من طرطوس. ويبدو أن روسيا تقوم بإعادة توزيع معداتها وقواتها، مع استمرار وجودها في القواعد الرئيسية، وقد أشارت مصادر إلى أن بعض المعدات والضباط الكبار يتم إرسالهم إلى موسكو؛ في حين أن الهدف الحالي هو إعادة التموضع وفقًا للظروف المتغيرة على الأرض.
تدخل أجنبي
وأعرَبَ بعضُ السوريين عن آرائهم بشأن الوجود الروسي في بلادهم؛ فمن جهة يرى البعض أن روسيا تدخلت في شؤونهم الداخلية، سواء كان ذلك في عهد الأسد أو قبله؛ بينما يرى آخرون أن روسيا تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة؛ خاصة مع الدور الذي لعبته في دعم الأسد. ومع ذلك يتفق الجميع على أنهم لا يريدون أي تدخل أجنبي، سواء كان روسيًّا أو إيرانيًّا أو غير ذلك.
ومع استمرار الاضطرابات في سوريا، يبقى مستقبل الوجود العسكري الروسي غير مؤكد؛ ففي حين أن روسيا لا تزال على اتصال بالحكام الجدد؛ إلا أن الوضع السياسي المتقلب قد يؤثر على قراراتها المستقبلية. ومع ذلك من الواضح أن روسيا لن تتخلى عن وجودها العسكري في سوريا بسهولة؛ خاصة مع المصالح الاستراتيجية التي تربطها بالمنطقة.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن روسيا تقوم بإعادة تنظيم قواتها في سوريا، مع الحفاظ على وجودها العسكري القوي. فالقواعد الروسية في سوريا تمثل أهمية استراتيجية لروسيا، ولا تزال موسكو حريصة على الحفاظ عليها. ومع ذلك فإن مستقبل هذه القواعد يتوقف على التطورات السياسية في سوريا، والعلاقات المستقبلية بين روسيا والحكام الجدد.